علومي
Would you like to react to this message? Create an account in a few clicks or log in to continue.

الاعتذار وقبول الأعذار

Go down

الاعتذار وقبول الأعذار  Empty الاعتذار وقبول الأعذار

Post by diamonds Mon Apr 09, 2012 7:49 pm

منذ اللحظة الأولى التي يفتح فيها كل منا عينيه
في الصباح إلى أن تأتي اللحظة التي يغمض فيها عينيه مستسلما للنوم في
المساء , وكل منا يواجه عشرات المواقف الحياتية , ويتخذ ربما فيها مئات
القرارات وردود الأفعال , ولعل الكثير منها يكون صائبا – حسب وجهة نظر
الشخص نفسه - وربما يشوب قرارات منها الخطأ وسوء التقدير واختلاف الفهم
بالنسبة للآخرين , فهل يملك كل منا الشجاعة الكافية لكي يعتذر عن أخطائه
التي ارتكبها بقصد أو بسوء فهم ؟ وهل يقبل بكل سعة صدر عذر من جاءه معتذرا
عن خطأ أُرتكبه ؟ .



أن كانت إجابتك الصادقة الفعلية بنعم في السؤالين , فاعلم أنك في سعادة
عظمى , وأنك مستريح من أكثر ما يزعج الإنسان ويقلقه ويكدر عليه عيشه في
الدنيا , وستقل مشكلاتك مع الناس إلى حد بعيد , وستربح قلبك أنت أولا لأنك
ستريحه من عذابات كثيرة تحطم القلوب , ولذا يكمن جزء كبير من راحة المؤمن
وسعادته في الاعتذار وقبول الأعذار .



إن الاعتذار شاق على كثير من الناس , وقليل من يستسيغه ويتحمله وخاصة
بين من يعتدون بأنفسهم , ممن نشؤوا منذ نعومة أظفارهم على الأثرة والترفع ,
فيصعب عليهم جدا أن تخرج كلمة الاعتذار من أفواههم أو أن يقبلوا اعتذار
ممن يعتذر , ويحتاج الأمر لكثير من المجاهدة لكي تسلس للمرء قيادة نفسه حتى
يقبل بالأمرين .

ربما يسهل على المرأة النطق بجمل الاعتذار , بل أحيانا ما تكون جمل
الاعتذار من مفردات حديثها الطبيعي , ولكن الصعوبة الحقيقية في اعتذار
الرجل وخصوصا في عالمنا العربي , إذ يعتبر معظمهم – لعوامل تربوية متجذرة
في الأعماق - أن الاعتذار في حد ذاته جالب للمهانة ومنقص للكرامة .



إن من الإنصاف أن نذكر أن الاعتذار أيسر كثيرا في ثقافة الغربيين
والآسيويين , إذ يُقدم أحدهم الاعتذار قبل أداء الخدمة وأثناءها وبعدها حتى
يُشعرك بالحرج الشديد من كثرة اعتذاراته , ولا يكون غريبا على مجتمعاتهم
أن يخرج عليهم مسئول رسمي كبير في وسيلة إعلامية وهو يقدم الاعتذار للشعب
عما بدر منه حتى يصل الأمر إلى انتحاره – وهذا محرم في شريعتنا – من شدة
تأسفه وخجله مما تسبب فيه بقصد أو بتقصير وإهمال .



يتعلق الأمر كثيرا بالعادات التي يكتسبها الإنسان من تربيته الأولى ,
والتي يسهل في صغره غرس جميع الأفكار والعادات فيه , ولكنها يصعب تغييرها
بعد ذلك إلا بحهد كبير من الإنسان بعد معارك طويلة يخوضها مع نفسه .



ويكتسب الطفل بداية هذه المعاني - عمليا لا قوليا - من تصرفات والديه
أمامه , فإن سمع والديه أو أحدهما لا يعتبر أن الاعتذار مضيعة للكرامة وانه
من السهل عليه أن يُخطئ نفسه ويراجع موقفه ويتهم نفسه أنه المقصر في أي
شيء , لهان على الولد أن يعتذر بعد ذلك , أما إذا رأى الطفل نقيض ذلك تماما
وسمع من والديه أو أحدهما أنه لن يعتذر حتى لو كان مخطئا -وليكن ما يكون -
فسيرسخ ذلك المعنى داخله ولن يكون الاعتذار عليه سهلا في يوم من الأيام .



وربما يزيد بعض الآباء من صعوبة الأمر على ولده , بأن يطلب منه صراحة
ويلقنه تلقينا أنه : – أي الطفل - أفضل من الجميع وأنه فوق الناس , وينبغي
عليه ألا يعتذر لأحد عن موقف حتى لو كان مخطئا , ويكثر ذلك بين الذكور
وبصفة خاصة في الأسر التي يقل فيها الذكور ويكثر الجاه أو المال , ويجعلان
الاعتذار أكثر صعوبة قد تصل لدرجة الاستحالة إن كان الخطأ في حق فتاة أو
امرأة , وتبدأ مباركة الآباء لذلك في تعاملات الولد مع أخواته البنات ,
وبهذا إذا كبر ذلك الطفل وتزوج وتعرض لمواقف مع زوجته , فقد تحول كلمة
اعتذار بينه وبين هدم بيته ولكنه لن يقولها أو لن يقبلها من زوجته إن كانت
هي المخطئة .



كم من بيوت خربت وكم من قضايا رفعت وأضاعت الوقت والجهد والمال , وكم من
عداوات دامت طويلا وأثرت على أجيال متعاقبة وتسببت في قطيعة أرحام طويلة
ممتدة , وكم من دماء أهريقت بين الرجال أو الأسر , وكان يكفي لوأدها في
مهدها كلمة واحدة فقط وهي كلمة الأسف أو الاعتذار , والتي لو قيلت بعد مرور
وقت لن تجدي نفعا ولن يكون لها أية قيمة ولا أثر , فلِم تتكبر عنها النفوس
التي تعلم أن العودة للحق خير من التمادي في الباطل ؟ .



ولنا في خير الناس صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة , إذ نراه يرق لرجل
ويكرمه لمجرد أنه عبس في وجهه مرة واحدة - وهو أعمى لم ير ذلك العبوس -
بعد أن أنزل الله في شأنه قرآنا معاتبا نبيه صلى الله عليه وسلم , ففي مسند
أبي يعلى عن أنس رضي الله عنه قال: ( جاء ابن أم مكتوم إلى النبي صلى الله
عليه وسلم ، وهو يكلِّم أبي بن خلف، فأعرض عنه، فأنزل الله: " عَبَسَ
وَتَوَلَّى " قال: ( فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه ) ,
ونجده صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يطيب خاطره وهو الأعمى الذي لا يستطيع
القتال , فنجده في غير مرة يوليه الإمارة على المدينة عند خروجه صلى الله
عليه وسلم للقتال .



ولنا فيه صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في قبول اعتذار المعتذر ,
فكان لا يرد معتذرا لما كان فيه من كرم نفس وحسن خلق , ففي موقفه مع حادثة
قتل ابنته زينب رضي الله عنها خير دليل على سعة عفوه وعظيم نفسه , فعند
هجرتها رضي الله عنها دفعها رجل كان مشركا وقتها وهو هبار بن الأسود ,
دفعها وهي حبلى فسقطت من فوق بعيرها فأسقطت جنينها ولا زالت مريضة في
المدينة بعدها حتى لقيت ربها , فيذكر ابن حجر القصة في الإصابة أن هبار بن
الأسود نخس زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أرسلها زوجها أبو
العاص بن الربيع إلى المدينة فأسقطت , وبعد الفتح يأتي هبار إلى رسول الله
ويعتذر إليه فيقول ابن حجر " فوقف هبار فقال: السلام عليك يا نبي الله أشهد
أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله , ولقد هربت منك في البلاد
وأردت اللحاق بالأعاجم ثم ذكرت عائدتك وصلتك وصفحك عمن جهل عليك , وكنا يا
نبي الله أهل شرك فهدانا الله بك وأنقذنا من الهلكة فاصفح عن جهلي وعما كان
يبلغك عني فإني مقر بسوء فعلي معترف بذنبي , فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم: " قد عفوت عنك وقد أحسن الله إليك حيث هداك إلى الإسلام
والإسلام يجب ما قبله ".



والمواقف كثيرة في قبول رسول الله للأعذار منها موقفه من مشركي مكة يوم
الفتح , وموقفه من ابن عمه أبي سفيان بن الحارث , وكلها مشهورة ومعلومة ,
وكذلك مواقف اعتذار صحابته لبعضهم البعض كما حدث بين بلال وأبي ذر رضي الله
عنهما , وكعفو أبي بكر عن مسطح , ما يدلنا على سمة عظيمة سادت بين هذا
الجيل الذي اختصه الله بكل الخير واختارهم الله لصحبة نبيه , فهلا تأسينا
بهم ؟!.



ليس من يعتد بنفسه حقيقة من يأبى الاعتذار إن أخطأ , ولكن المعتد بنفسه
المكرم لها هو من يصون نفسه ولا يوردها مورد الخطأ كي لا يُضطر إلى
الاعتذار , ففي السلسلة الصحيحة للألباني عن ابن عمر قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " صل صلاة مودع ، كأنك تراه ، فإن كنت لا تراه ، فإنه يراك ،
و أيس مما في أيدي الناس تعش غنيا ، و إياك وما يُعتذر منه " ويوصى بها
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ولده عند موته فيقول " وإياك وما يُعتذر إليه
من العمل والقول واعمل ما بدا لك " .



وما كانت التوبة إلى الله سبحانه إلا المظهر الأسمى للاعتذار , حين يرفع
العبد كف ضراعته إلى ربه نادما باكيا متعذرا يقول كما قال أبواه بعد أول
ذنب ارتُكب بين البشر " ( قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ
لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) , وما
كان مَن الله وكرمه ومغفرته إلا أنموذجا علويا لقبول المعذرة من المخطئين
التائبين المعتذرين .



هناك منزلة عظمي لا يدركها إلا كل من صفا قلبه وسمت روحه , وهي التماس
الأعذار للمخطئين حتى قبل أن يعتذروا هم بأنفسهم , فالمدرك لحقائق النفس
البشرية ويعرف دروبها ومسالكها جيدا قد يجد الأعذار للمخطئ بمجرد وقوع
الخطأ , فيسلم قلبه من أي عرض يؤثر عليه وتسلم جوارحه من أي فعل قد يرتكبه
ساعة غضبه , ففي البخاري قال أنس رضي الله عنه " كان النبي صلى الله عليه
وسلم عند بعض نسائه ، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام ، فضربت
التي - النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها - يد الخادم ، فسقطت الصحفة
فانفلقت ، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصفحة ثم جعل يجمع فيها
الطعام الذي كان في الصحفة ، ويقول : ( غارت أمكم ) ثم حبس الخادم حتى أتي
بصحفة من عند التي هو في بيتها ، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها
، وأ مسك المكسورة في بيت التي كسرت " .



وينبغي على المخطئ أن يسارع في الاعتذار , لأن البطئ فيه يزيد الهوة
بينهما ويغلف القلوب بحجاب يزداد سمكه بالوقت ويفتح الباب لكل شيطان من
الإنس أو الجن للعبث بالقلوب وتغييرها .



وينبغي على المعتذر أن يجعل اعتذاره - ما أمكنه - بمثل ما كنت إساءته ,
فالسر بالسر والعلانية بالعلانية , فلا يصلح أن يكون الخطأ معلنا والاعتذار
مستورا فهذا ليس من الانصاف , ومن زيادة حسن الخلق وسعة الكرم أن يكون
الخطأ سرا والاعتذار علنا فهذا دليل على صدر رحب ونفس عالية .



وينبغي على المُعتذر إليه أن يقبل الاعتذار العملي ولا يشترط اللفظي ,
فكثير من الناس من لا يمتلك القدرة على التلفظ بالاعتذار , ولكنه يأتي
بأفعال ليس لها إلا معنى الاعتذار الضمني , فيبغي قبول ذلك منه ومعاونته
على نفسه كي لا يغلبه شيطانه ويفسده بعد أن سار في طريق الإصلاح
http://almoslim.net/node/145544




diamonds
diamonds

الجنس : Female

عدد المساهمات : 487
النقاط : 49077
التقييم : 7
تاريخ التسجيل : 2011-03-05

Back to top Go down

Back to top

- Similar topics

 
Permissions in this forum:
You cannot reply to topics in this forum