بحث مهم يتناول ظاهرة الحذف والتقدير
Page 1 of 1
بحث مهم يتناول ظاهرة الحذف والتقدير
حقيقة الحذف :
من المهمِّ قبل الخوض في بيان أحكام الحذف ومسائله لابد أن أبدأ ببيان حقيقته ؛ إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوُّره .
وقد رجعت إلى مظانِّ الحذف في قدر لا بأس به من كتب أصول النحو وفروعه ،
فلم أجد في ما رجعت إليه بيانًا لحقيقة الحذف أو تعريفًا له ، فرجعت إلى
معجم مصطلحات النحو والصرف والعروض فوجدت هذا التعريف :
الحذف : " يُراد به في النحو إسقاط كلمة من بناء الجملة ، وقد تكون هذه
الكلمة ركنًا من أركانها كالمبتدإ أو الخبر أو الفعل أو الفاعل ، وقد تكون
حرفًا ، وقد تُحذف الجملة ... " ،
وهذا لا يعدو كونه تعدادًا لأنواع من الحذف ، ولا يصحُّ أن يكون حدًّا
مبيِّنًا للحذف النحويِّ ، فهو أشبه بتعريف للحذف الصرفيٍّ ؛ إذ يصدق أن
نقول : الحذف في الصرف : إسقاط حرف من بناء الكلمة .
واطَّلعت على رسـالة علميَّة من البحوث الرائدة في الموضوع – وهي رسالة (
الحذف والتقدير في النحو العربي ) لعلي أبي المكارم ، فوجدت تعريف الحـذف
فيها على النحو التالي :
إسقاط لصيغ داخل النصِّ التركيبيِّ في بعض المواقف اللغويَّة ، وهذه الصيغ
يُفترَض وجودها نحويًّا لسلامة التركيب وتطبيقًا للقواعد ، ثمَّ هي موجودة
– أو يمكن أن توجد – في مواقف لغويَّة مختلفة .
وهو اجتهاد مشكور من الباحث ، ولكنَّ أبرز ما يمكن أن يؤخذ على التعريف
قوله : ( وهذه الصيغ يُفترَض وجودها نحويًّا لسـلامة التركيب وتطبيقًا
للقواعد ) ؛ لأنَّ هذا لا يصدق على أيٍّ من نوعي الحذف :
- ففي الحذف الواجب لا يُفترض وجود المحذوف لسلامة التركيب وانضباط
القواعد ، بل يكون ذكره خطأً مخلاًّ بسلامة التركيب وخارقًا للقواعد .
- وفي الحذف الجائز لم يدلّ على المحذوف أنَّ غيابه أخلَّ بسلامة التركيب
أو كسر القواعد - فبدهيٌّ أنَّ المحذوف جوازًا يجوز حذفه وذكره من غير أن
يوصـف التركيب بالغلط النحويِّ - وإنَّما دلَّ عليه أنَّه ذُكر في استعمال
آخر ولغرض آخر ؛ فاللغة استعمال قبل أن تكون قواعد .
وإذا كان لي أن أُدلي بدلوي لأقدِّم تعريفًا نحويًّا للحذف فقد راجعت أحوال الحذف وأحكامه وخرجت منها بهذا التعريف :
الحذف الجائز : تعمُّد إسقاط عنصر ( إسناديٍّ أو غيره ) من عناصر بناء
النصِّ ؛ لغرض ، مع سـماح النظام النحويِّ بذكره ، ومع دلالة باقي عناصر
النصِّ عليه ، وإمكان ذكر هذا العنصر في مقام آخر ولغرض آخر .
الحذف الواجب : إسقاط عنصرٍ إسـناديٍّ من نصٍّ لا يسـمح النظام النحويُّ
بذكره فيه ، مع دلالة الأصل التركيبيِّ للنصِّ عليه ، وامتناع ذكره في
كلِّ الأحوال .
قيمة الحذف ومزاياه :
يرتبط الحذف ارتباطًا وثيقًا بمعنى القول ودلالته وقدرته على التأثير ؛
فهو وسـيلة للإيجاز الَّذي هو أحد مقاصـد العربيَّة ، والحذف في مقامه
يهذِّب الجمل ، ويزيد نصيبها من البلاغة والرونق ، ويقوِّي قدرتها على
إيصال المعنى المراد .
تحت عنوان ( القول في الحذف ) يقول الإمام عبد القـاهر : " هو باب دقيق
المسلك ، لطيف المأخذ ، عجيب الأمر ، شبيه بالسـحر ، فإنَّك ترى به ترك
الذكر أفصح من الذكر ، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة ، وتجدك أنطقَ ما
تكون إذا لم تنطق ، وأتمَّ ما تكون بيانًا إذا لم تُبِنْ .
ويذكرعلماء البلاغة للحذف ثلاث مزايا ، هي :
1- إيجاز العبارة .
2- زيادة رونقها وصـيانتها من الثقل والترهُّل الَّذين يحدثهما ذكرُ المعلوم للقرينة .
3- بناؤها على إثارة فكر المتلقِّي وخياله في
الاستدلال على جزء المعنى الَّذي لم يُذكر اللفظ الدالُّ عليه .
هذا ما يُذكر مَزِيَّةً عامَّةً للحذف ، ويبقى وراء كلِّ تعبير سرٌّ خاصٌّ به قائم على اختلاف المقامات والأحوال والأغراض .
أغراض الحذف وأدلته :
إذا نظرنا في كتاب سـيبويه وجدناه ينصُّ في مواضع كثيرة على ضرورة الحذف
لأسباب أدخلها البحث الحديث في فنِّ البلاغة ، كالتخفيف والإيجاز والسعة ،
ويبيِّن أنَّ العرب قد جرت عادتها على الحذف ، وحبَّذتْه في غير موضع .
يقول سيبويه : " واعلم أنَّهم ممَّا يحذفون الكلم وإن كان أصله في الكلام
غير ذلك ، ويحذفون ويعوِّضون ، ويستغنون بالشيء عن الشيء الَّذي أصله في
كلامهم أن يُستعمل حتى يصير ساقطًا ... " ، ويقول : " وما حُذِف في الكلام
لكثرة استعمالهم كثير " .
ويقول كمال الدين الأنباري : " والحذف في كلامهم لدلالة الحال وكثرة الاستعمال أكثر من أن يُحصَى " .
وقد تطرَّق النحاة في تصانيفهم إلى ذكر أغراض الحذف ، لكنَّها أغراض
خاصَّة بالمحذوف ، ولذلك فهي متفرِّقة في أبواب النحو بحسب المحذوفات
قيمة الحذف ومزاياه :
يرتبط الحذف ارتباطًا وثيقًا بمعنى القول ودلالته وقدرته على التأثير ؛
فهو وسـيلة للإيجاز الَّذي هو أحد مقاصـد العربيَّة ، والحذف في مقامه
يهذِّب الجمل ، ويزيد نصيبها من البلاغة والرونق ، ويقوِّي قدرتها على
إيصال المعنى المراد .
تحت عنوان ( القول في الحذف ) يقول الإمام عبد القـاهر : " هو باب دقيق
المسلك ، لطيف المأخذ ، عجيب الأمر ، شبيه بالسـحر ، فإنَّك ترى به ترك
الذكر أفصح من الذكر ، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة ، وتجدك أنطقَ ما
تكون إذا لم تنطق ، وأتمَّ ما تكون بيانًا إذا لم تُبِنْ .
ويذكرعلماء البلاغة للحذف ثلاث مزايا ، هي :
1- إيجاز العبارة .
2- زيادة رونقها وصـيانتها من الثقل والترهُّل الَّذين يحدثهما ذكرُ المعلوم للقرينة .
3- بناؤها على إثارة فكر المتلقِّي وخياله في
الاستدلال على جزء المعنى الَّذي لم يُذكر اللفظ الدالُّ عليه .
هذا ما يُذكر مَزِيَّةً عامَّةً للحذف ، ويبقى وراء كلِّ تعبير سرٌّ خاصٌّ به قائم على اختلاف المقامات والأحوال والأغراض .
أغراض الحذف وأدلته :
إذا نظرنا في كتاب سـيبويه وجدناه ينصُّ في مواضع كثيرة على ضرورة الحذف
لأسباب أدخلها البحث الحديث في فنِّ البلاغة ، كالتخفيف والإيجاز والسعة ،
ويبيِّن أنَّ العرب قد جرت عادتها على الحذف ، وحبَّذتْه في غير موضع .
يقول سيبويه : " واعلم أنَّهم ممَّا يحذفون الكلم وإن كان أصله في الكلام
غير ذلك ، ويحذفون ويعوِّضون ، ويستغنون بالشيء عن الشيء الَّذي أصله في
كلامهم أن يُستعمل حتى يصير ساقطًا ... " ، ويقول : " وما حُذِف في الكلام
لكثرة استعمالهم كثير " .
ويقول كمال الدين الأنباري : " والحذف في كلامهم لدلالة الحال وكثرة الاستعمال أكثر من أن يُحصَى " .
وقد تطرَّق النحاة في تصانيفهم إلى ذكر أغراض الحذف ، لكنَّها أغراض
خاصَّة بالمحذوف ، ولذلك فهي متفرِّقة في أبواب النحو بحسب المحذوفات .
صور الحذف وأنواعه :
تتعدَّد صور الحذف في النحو العربيِّ ، من حذف علامات الإعراب ، وحذف
أجزاء الكلمات ، وحذف الأدوات ، وحذف أجزاء التراكيب ، وحذف الجمل ،
ويتنوَّع
الحذف إلى نوعين :
الحذف الواجب : وهو حذف يوجبه النظام النحويُّ للجملة ، بحيث يكون ذكر
المحذوف خطأً ، ويقع هذا الحذف في العناصر الإسناديَّة – كالمبتدأ في
الجملة الاسميَّة ، والفعل في الجملة الفعليَّة – عدا الفاعل .
الحذف الجائز : وهو حذف يقتضيه الموقف الاسـتعماليُّ ، حيث يكون الذكر غير
ممنوع في الصـناعة لكنَّه يضـرُّ بالمعنى المقصـود من المتكلِّم ، ويقع
على العناصر الإسناديَّة وغيرها .
ويُحاط كلُّ نوع من أنواع الحذف الواجب بقواعد وشروط تنظِّم وقوعه ، فلا مجال فيه لغير النظام النحويِّ .
أمَّا الحذف الجائز فإنَّ أهم شرط فيه هو وجود القرينة اللفظيَّة أو
المعنويَّة ، وهو ما سمَّاه ابن هشام " دليل الحذف " ، وجعل أحد نوعيه
الدليل غير الصناعيِّ ، أي الَّذي لا علاقة له بصناعة النحو ، وإنَّـما
يكون الاحتكام فيه إلى الحال ، أو إلى المنطوق - وهو الكلام الَّذي يعتمد
على المسرح اللغويِّ كما يقول أ.د / أحمد كشك - ففي قـول المترقِّب لرؤيـة
الهـلال : الهلال وربِّ الكعبة ، دليل الحذف حاليٌّ ، وتقدير المحذوف
مبتدأ ( هذا الهلالُ ) تختلف علاقـات نطقه عن تقديره فعلاً ( رأيت الهلالَ
) ، وكـذلك إذا قلنا لمـن أتى بالماء: أباك ، أي : اسـق أباك ، فالـدليل
على المحذوف في هذه الأسـاليب وأمثالها حاليٌّ ، أي مُستنبَط من قرينة
الحال ، مع أنَّ الحكـم هنا لا يصـفو للحـال فقط ؛ فقد أعاننا على تقدير
المحذوف "الاستلزام وسبق الذكر ، وكلاهما من القرائن اللفظيَّة".
أمَّا الدليل المقاليُّ فهو ما يوجد في كلام منطوق في المقام نفسه ، كما أسأل شخصًا: مَن عندك ؟ فيقول : محمَّد ، أي : محمَّد عندي
من المهمِّ قبل الخوض في بيان أحكام الحذف ومسائله لابد أن أبدأ ببيان حقيقته ؛ إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوُّره .
وقد رجعت إلى مظانِّ الحذف في قدر لا بأس به من كتب أصول النحو وفروعه ،
فلم أجد في ما رجعت إليه بيانًا لحقيقة الحذف أو تعريفًا له ، فرجعت إلى
معجم مصطلحات النحو والصرف والعروض فوجدت هذا التعريف :
الحذف : " يُراد به في النحو إسقاط كلمة من بناء الجملة ، وقد تكون هذه
الكلمة ركنًا من أركانها كالمبتدإ أو الخبر أو الفعل أو الفاعل ، وقد تكون
حرفًا ، وقد تُحذف الجملة ... " ،
وهذا لا يعدو كونه تعدادًا لأنواع من الحذف ، ولا يصحُّ أن يكون حدًّا
مبيِّنًا للحذف النحويِّ ، فهو أشبه بتعريف للحذف الصرفيٍّ ؛ إذ يصدق أن
نقول : الحذف في الصرف : إسقاط حرف من بناء الكلمة .
واطَّلعت على رسـالة علميَّة من البحوث الرائدة في الموضوع – وهي رسالة (
الحذف والتقدير في النحو العربي ) لعلي أبي المكارم ، فوجدت تعريف الحـذف
فيها على النحو التالي :
إسقاط لصيغ داخل النصِّ التركيبيِّ في بعض المواقف اللغويَّة ، وهذه الصيغ
يُفترَض وجودها نحويًّا لسلامة التركيب وتطبيقًا للقواعد ، ثمَّ هي موجودة
– أو يمكن أن توجد – في مواقف لغويَّة مختلفة .
وهو اجتهاد مشكور من الباحث ، ولكنَّ أبرز ما يمكن أن يؤخذ على التعريف
قوله : ( وهذه الصيغ يُفترَض وجودها نحويًّا لسـلامة التركيب وتطبيقًا
للقواعد ) ؛ لأنَّ هذا لا يصدق على أيٍّ من نوعي الحذف :
- ففي الحذف الواجب لا يُفترض وجود المحذوف لسلامة التركيب وانضباط
القواعد ، بل يكون ذكره خطأً مخلاًّ بسلامة التركيب وخارقًا للقواعد .
- وفي الحذف الجائز لم يدلّ على المحذوف أنَّ غيابه أخلَّ بسلامة التركيب
أو كسر القواعد - فبدهيٌّ أنَّ المحذوف جوازًا يجوز حذفه وذكره من غير أن
يوصـف التركيب بالغلط النحويِّ - وإنَّما دلَّ عليه أنَّه ذُكر في استعمال
آخر ولغرض آخر ؛ فاللغة استعمال قبل أن تكون قواعد .
وإذا كان لي أن أُدلي بدلوي لأقدِّم تعريفًا نحويًّا للحذف فقد راجعت أحوال الحذف وأحكامه وخرجت منها بهذا التعريف :
الحذف الجائز : تعمُّد إسقاط عنصر ( إسناديٍّ أو غيره ) من عناصر بناء
النصِّ ؛ لغرض ، مع سـماح النظام النحويِّ بذكره ، ومع دلالة باقي عناصر
النصِّ عليه ، وإمكان ذكر هذا العنصر في مقام آخر ولغرض آخر .
الحذف الواجب : إسقاط عنصرٍ إسـناديٍّ من نصٍّ لا يسـمح النظام النحويُّ
بذكره فيه ، مع دلالة الأصل التركيبيِّ للنصِّ عليه ، وامتناع ذكره في
كلِّ الأحوال .
قيمة الحذف ومزاياه :
يرتبط الحذف ارتباطًا وثيقًا بمعنى القول ودلالته وقدرته على التأثير ؛
فهو وسـيلة للإيجاز الَّذي هو أحد مقاصـد العربيَّة ، والحذف في مقامه
يهذِّب الجمل ، ويزيد نصيبها من البلاغة والرونق ، ويقوِّي قدرتها على
إيصال المعنى المراد .
تحت عنوان ( القول في الحذف ) يقول الإمام عبد القـاهر : " هو باب دقيق
المسلك ، لطيف المأخذ ، عجيب الأمر ، شبيه بالسـحر ، فإنَّك ترى به ترك
الذكر أفصح من الذكر ، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة ، وتجدك أنطقَ ما
تكون إذا لم تنطق ، وأتمَّ ما تكون بيانًا إذا لم تُبِنْ .
ويذكرعلماء البلاغة للحذف ثلاث مزايا ، هي :
1- إيجاز العبارة .
2- زيادة رونقها وصـيانتها من الثقل والترهُّل الَّذين يحدثهما ذكرُ المعلوم للقرينة .
3- بناؤها على إثارة فكر المتلقِّي وخياله في
الاستدلال على جزء المعنى الَّذي لم يُذكر اللفظ الدالُّ عليه .
هذا ما يُذكر مَزِيَّةً عامَّةً للحذف ، ويبقى وراء كلِّ تعبير سرٌّ خاصٌّ به قائم على اختلاف المقامات والأحوال والأغراض .
أغراض الحذف وأدلته :
إذا نظرنا في كتاب سـيبويه وجدناه ينصُّ في مواضع كثيرة على ضرورة الحذف
لأسباب أدخلها البحث الحديث في فنِّ البلاغة ، كالتخفيف والإيجاز والسعة ،
ويبيِّن أنَّ العرب قد جرت عادتها على الحذف ، وحبَّذتْه في غير موضع .
يقول سيبويه : " واعلم أنَّهم ممَّا يحذفون الكلم وإن كان أصله في الكلام
غير ذلك ، ويحذفون ويعوِّضون ، ويستغنون بالشيء عن الشيء الَّذي أصله في
كلامهم أن يُستعمل حتى يصير ساقطًا ... " ، ويقول : " وما حُذِف في الكلام
لكثرة استعمالهم كثير " .
ويقول كمال الدين الأنباري : " والحذف في كلامهم لدلالة الحال وكثرة الاستعمال أكثر من أن يُحصَى " .
وقد تطرَّق النحاة في تصانيفهم إلى ذكر أغراض الحذف ، لكنَّها أغراض
خاصَّة بالمحذوف ، ولذلك فهي متفرِّقة في أبواب النحو بحسب المحذوفات
قيمة الحذف ومزاياه :
يرتبط الحذف ارتباطًا وثيقًا بمعنى القول ودلالته وقدرته على التأثير ؛
فهو وسـيلة للإيجاز الَّذي هو أحد مقاصـد العربيَّة ، والحذف في مقامه
يهذِّب الجمل ، ويزيد نصيبها من البلاغة والرونق ، ويقوِّي قدرتها على
إيصال المعنى المراد .
تحت عنوان ( القول في الحذف ) يقول الإمام عبد القـاهر : " هو باب دقيق
المسلك ، لطيف المأخذ ، عجيب الأمر ، شبيه بالسـحر ، فإنَّك ترى به ترك
الذكر أفصح من الذكر ، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة ، وتجدك أنطقَ ما
تكون إذا لم تنطق ، وأتمَّ ما تكون بيانًا إذا لم تُبِنْ .
ويذكرعلماء البلاغة للحذف ثلاث مزايا ، هي :
1- إيجاز العبارة .
2- زيادة رونقها وصـيانتها من الثقل والترهُّل الَّذين يحدثهما ذكرُ المعلوم للقرينة .
3- بناؤها على إثارة فكر المتلقِّي وخياله في
الاستدلال على جزء المعنى الَّذي لم يُذكر اللفظ الدالُّ عليه .
هذا ما يُذكر مَزِيَّةً عامَّةً للحذف ، ويبقى وراء كلِّ تعبير سرٌّ خاصٌّ به قائم على اختلاف المقامات والأحوال والأغراض .
أغراض الحذف وأدلته :
إذا نظرنا في كتاب سـيبويه وجدناه ينصُّ في مواضع كثيرة على ضرورة الحذف
لأسباب أدخلها البحث الحديث في فنِّ البلاغة ، كالتخفيف والإيجاز والسعة ،
ويبيِّن أنَّ العرب قد جرت عادتها على الحذف ، وحبَّذتْه في غير موضع .
يقول سيبويه : " واعلم أنَّهم ممَّا يحذفون الكلم وإن كان أصله في الكلام
غير ذلك ، ويحذفون ويعوِّضون ، ويستغنون بالشيء عن الشيء الَّذي أصله في
كلامهم أن يُستعمل حتى يصير ساقطًا ... " ، ويقول : " وما حُذِف في الكلام
لكثرة استعمالهم كثير " .
ويقول كمال الدين الأنباري : " والحذف في كلامهم لدلالة الحال وكثرة الاستعمال أكثر من أن يُحصَى " .
وقد تطرَّق النحاة في تصانيفهم إلى ذكر أغراض الحذف ، لكنَّها أغراض
خاصَّة بالمحذوف ، ولذلك فهي متفرِّقة في أبواب النحو بحسب المحذوفات .
صور الحذف وأنواعه :
تتعدَّد صور الحذف في النحو العربيِّ ، من حذف علامات الإعراب ، وحذف
أجزاء الكلمات ، وحذف الأدوات ، وحذف أجزاء التراكيب ، وحذف الجمل ،
ويتنوَّع
الحذف إلى نوعين :
الحذف الواجب : وهو حذف يوجبه النظام النحويُّ للجملة ، بحيث يكون ذكر
المحذوف خطأً ، ويقع هذا الحذف في العناصر الإسناديَّة – كالمبتدأ في
الجملة الاسميَّة ، والفعل في الجملة الفعليَّة – عدا الفاعل .
الحذف الجائز : وهو حذف يقتضيه الموقف الاسـتعماليُّ ، حيث يكون الذكر غير
ممنوع في الصـناعة لكنَّه يضـرُّ بالمعنى المقصـود من المتكلِّم ، ويقع
على العناصر الإسناديَّة وغيرها .
ويُحاط كلُّ نوع من أنواع الحذف الواجب بقواعد وشروط تنظِّم وقوعه ، فلا مجال فيه لغير النظام النحويِّ .
أمَّا الحذف الجائز فإنَّ أهم شرط فيه هو وجود القرينة اللفظيَّة أو
المعنويَّة ، وهو ما سمَّاه ابن هشام " دليل الحذف " ، وجعل أحد نوعيه
الدليل غير الصناعيِّ ، أي الَّذي لا علاقة له بصناعة النحو ، وإنَّـما
يكون الاحتكام فيه إلى الحال ، أو إلى المنطوق - وهو الكلام الَّذي يعتمد
على المسرح اللغويِّ كما يقول أ.د / أحمد كشك - ففي قـول المترقِّب لرؤيـة
الهـلال : الهلال وربِّ الكعبة ، دليل الحذف حاليٌّ ، وتقدير المحذوف
مبتدأ ( هذا الهلالُ ) تختلف علاقـات نطقه عن تقديره فعلاً ( رأيت الهلالَ
) ، وكـذلك إذا قلنا لمـن أتى بالماء: أباك ، أي : اسـق أباك ، فالـدليل
على المحذوف في هذه الأسـاليب وأمثالها حاليٌّ ، أي مُستنبَط من قرينة
الحال ، مع أنَّ الحكـم هنا لا يصـفو للحـال فقط ؛ فقد أعاننا على تقدير
المحذوف "الاستلزام وسبق الذكر ، وكلاهما من القرائن اللفظيَّة".
أمَّا الدليل المقاليُّ فهو ما يوجد في كلام منطوق في المقام نفسه ، كما أسأل شخصًا: مَن عندك ؟ فيقول : محمَّد ، أي : محمَّد عندي
Page 1 of 1
Permissions in this forum:
You cannot reply to topics in this forum