علومي
Would you like to react to this message? Create an account in a few clicks or log in to continue.

شيئ من العقل

Go down

شيئ من العقل Empty شيئ من العقل

Post by discovery Thu Apr 05, 2012 4:16 am

شيئ من العقل

عاد زوجي من عمله
مهموما، قبل الصغار بلا روح، تناول طعامه شاردا، وأخبرتني ملامحه أن هناك
حوارا يدور داخله، فقد كان يقطب جبينه تارة، ويهز رأسه أخرى، ويسبح الله‏
ثم يعود إلى شروده.
سألته عما به، فقال باندهاش شديد: تصوري عبدالله‏ صديقي وزميل العمل طلق
امرأته بالأمس، وصمت لتنتقل عدوى الدهشة إلي، فقد كنت أظن وغيري كثيرون
وكثيرات من معارف أسرة عبدالله‏ أنه أسعد الأزواج، فزوجه امرأة جميلة،
طيبة، مطيعة، وقد رزقهما الله‏ طفلين جميلين، فماذا إذن ينقصه؟!
لقد كنت أداعب صفاء ـ زوج عبدالله‏ ـ فأقول لها: ألا تجيدين سوى إجادة
الموافقة، فتقول بطيبة شديدة: يبدو أن رأسي مبرمجة إلى أسفل لا إلى اليمين
أو اليسار، وتستوعب ملاحظتي بحب وسماحة شديدين، هكذا كانت صفاء لا ترد
لزوجها طلبا، ولا تراجع له رأيا، ولا تناقشه في قرار، يقول فتسمع، يأمر
فتطيع، يقرر فتوافق.
ويتراجع في قرار فلا تعترض، وكم زها بها وامتدحها، وأوغر صدر زملائه ممن رزقوا بنساء مجادلات.
كان زملاؤه ومنهم زوجي يغبطونه، وكم أعلن ذلك زوجي حينما كان النقاش
بيننا يحتدم حول شأن ما فيقول: يا بختك يا عبدالله‏، زوجك نسمة هادئة،
وزوجي ويصمت، فأتكلم وأنا أدعي الغضب: ريح عاصفة أليس كذلك، يا أستاذ زوجك
لها عقل، وتفكر، واحمد الله‏ أنك تجد من تتكلم معه بدلا من أن تحادث نفسك
حتى تجن!
هكذا كان إيثاري للحوار مع زوجي على الموافقة المستمرة بدون أن يكون ذلك
على حساب حقه في اتخاذ القرار النهائي، يسوؤه ويزعجه، فلم طلق عبدالله‏
زوجه إذا كانت مختلفة عني وعن كثيرات غيري وتتمتع بشخصية موافقة لينة
طائعة؟
أتعبني التساؤل ورثيت لحال صفاء والطفلين نقلت مشاعري إلى زوجي فقال: أنا
مثلك لا أدري سببا لما حدث، وعندما ألتقي عبدالله‏ سأستفسر عنه ولعلني
أستطيع إصلاح ذات البين، وسألني: وأنت ألن تفعلي شيئا، قلت: أملهني حتى
تقابل صديقك وبعدها أزور صفاء، والله‏ يفعل ما يشاء.
بعد أيام جاءني زوجي وهو يضرب كفا بكف ويقول: سبحان الله‏ يبدو أننا لم
نغبط صديقنا ـ فقط ـ لقد حسدناه، ونظر إلي مندهشا وأردف: عرفت من عبدالله‏
أنه طلق زوجه لأنها لا تستطيع أن تقول: لا، وعندما أبديت تعجبي قال يا أخي:
أنا بشر وأحب أن أعيش مع بشر مثلي، صحيح هي طيبة، وربة بيت ماهرة وذات أصل
خير، ولكنها تشعرني دائما بأنني أعيش وحدي، وأفكر لنفسي بنفسي، ولا
يشاركني أحد رأيا أو يناقشني في أمر، في بداية الزواج سعدت بموافقتها
المستمرة وظننتها ميزة، ولكن بمرور الوقت بدأت أضيق بحالها خاصة عندما كنت
أريد أن أناقشها في شأن خاص فأجدها توافق على كل ما أقوله حتى لو كان
متناقضا، ولا تردد سوى جملة واحدة طوال حديثي إليها: الرأي رأيك، أنت أدرى.
نبهتها إلى ما يضايقني فاستغربت وقالت: ألم تقل لي ايام خطبتنا: إن المرأة
الصالحة هي الموافقة، نقلت الكرة إلى ملعبي، واستطردت: ثم إنني لم أر أمي
يوما ما

تخالف أبي، وقد عاش ومات ولم يذكرها إلا بالخير، فلماذا تتضايق أنت مني؟
وانخرطت في بكاء أشعرني بالخجل، وحاولت التحمل ومراجعتها أكثر من مرة فلم
تتغير، تصور لقد حدثتها في الطلاق بغرض التهديد لعلها تشعر بالخطر فقالت
بهدوء شديد: إذا كان هذا يريحك فافعل ما يرضيك ولكن أستحلفك بالله‏ اترك لي
الولد والبنت.
شعرت نحوها بإشفاق شديد وفكرت في الزواج ولكنني رأيت أن أسرحها بالمعروف،
فربما وجدت زوجا يرضيه طاعتها العمياء، وتم الطلاق بهدوء برغم اندهاش
عائلتي وعائلتها، والواقع أنني ممزق بين إحساسي بأنني قد ظلمتها وعجزي عن
تحمل حياتي معها، ترى هل سيخلفني الله‏ خيرا أو سيعاقبني؟
ونظر إلي زوجي وسألني: في رأيك بم كنت أجيبه؟ إنني مشفق عليه وعليها وليس لدي ما اقوله له.
شعرت بكمد شديد وبنقمة أشد على تراث تربوي ورجال، تراث صورة المرأة
المثالية فيه مرسومة بمداد السلبية وإلغاء العقل، ورجال يجدون في هذه
الصورة المشوهة ساحة لممارسة رجولتهم المغلوطة التي لا تنتعش إلا في ظل
نساء خاملات.
وسألت زوجي: ماذا يعجب الرجال نموذج صفاء أم نموذجي أنا، والذي يجعلك تشعرني دائما بالنقص وتضجر مني كلما حاورتك وتناقشت معك؟
لم يجبني، ولم أجد في قصة صديقتي الطيبة ما يرد لي اعتباري، بل شعرت بخطر
شديد، وبأنني يمكن أن ألقى ذات مصيرها يوما ما، هل أتغير وأصبح مثلها،
فيرضى عني زوجي، أو أظل كما أنا وأعيش مهددة؟ غزتني الحيرة، ووجدت السكن في
ديننا وفي سيرة الحبيب صلى‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ...الذي لايقبل الأستعلاء
على المرأة ولا تقديس الرجل،


عزمت على أن أزور صفاء وأنصحها بم اهتديت إليه بعد تفكير عميق ـ وربما
استطعت أن أحافظ على استقراري الأسري ـ سأنصحها بأن تستخدم جزءا من عقلها
فقط، جزءا مرنا يوافق مرة ويسأل أخرى، يقبل تارة ويحاور أخرى.
هي معادلة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة، فالإسلام يأبى أن تنتسب إليه موافقات
دوما، أو مناكفات على طول الخط، بل واعيات يقفن على نقطة وسط بين نعم ولا،
ويدركن متى يقلن كلا منهما، ويتحلين بطاعة مبصرة، مبصرة فقط، لا محدقة
بجرأة، ووقاحة، وتبجح!

http://v.3bir.com/297185/

discovery
discovery

الجنس : Male

عدد المساهمات : 1002
النقاط : 56427
التقييم : 12
تاريخ التسجيل : 2010-04-28

Back to top Go down

Back to top

- Similar topics

 
Permissions in this forum:
You cannot reply to topics in this forum