علومي
Would you like to react to this message? Create an account in a few clicks or log in to continue.

بائع الطين

Go down

بائع الطين Empty بائع الطين

Post by nokia Wed Jul 07, 2010 6:16 am



1


وصلت إلى البيت في الساعة العاشرة ليلاً،عائداً من العمل الذي من المفروض

أن ينتهي في الساعة السادسة مساءً،إلا أن بُعد المعمل عن مكان سكني،وجشع صاحب

المعمل الذي بوده أن يُبقي العمال في المعمل ليلاً نهاراً،وبأجر زهيد،لا يسمن

ولا يُغني من جوع،كل هذا يجعلني أتأخر حتى هذا الوقت،وأحياناً يُبقينا صاحب

المعمل حتى الواحدة بعد منتصف الليل،إذا كان مزاجه مُتعكر من زوجته الجميلة

التي تصغره بعشرين عاماً،والتي تزوجها من أبيها رغماً عنها

بسبب الحاجة والفقر.

أول شيء فكرت في فعله عندما دخلت إلى الغرفة هو اسكات معدتي التي قرصها

الجوع طوال اليوم.

بحثت في "النملية"هكذا يسمونها،ولا أدري لماذا! فقد كانت عبارة عن رفوف

خشبية لها باب من المنخل الناعم كي لا تدخل الحشرات،وبنفس الوقت يسمح بدخول

الهواء لتهوية الطعام،ولها باب ثاني من الخشب له قفل خارجي،وتستعمل قديماً

بدلاً من الثلاجة،وعلى كل حال أنا لست بحاجة لها لأن الطعام لا يباتُ عندي

وحجم الغرفة صغير،ولا يتسع لثلاجة،وإذا أردتم الصراحة!أنا لا أملك ثمنها.

لم أجد شيء أكله في النملية سوى نصف رغيف من الخبز،بقيَ من الأمس وقليل من

دبس البندورة في وعاء زجاجي،نسميه "قطرميز" أعطتني إياه أمي عندما

جئتُ من القرية،أمي الحنونة التي لم تصدق عندما قلت لها إن دبس البندورة

يُقدم في مطاعم المدينة بجانب البطاطا المقلية،ولكني لم أخبرها بأن دبس

البندورة الذي تصنعه بيديها أفضل بألف مرة من دبس البندورة الذي

يقدمونه هنا،أمي الحنونة التي حاولت مراراً أن تقنعني بالعدول عن الذهاب إلى

المدينة للعمل،وأن أبقى في القرية لكي أعمل مع أبي في زراعة الأرض،أمي

الحنونة التي كانت تبتسم عندما أتذمر إذا تأخرت في تحضير الطعام،أين أنت

يا أمي لتري ابنك يأكل نصف رغيف شبه يابس مدهون بدبس البندورة.

مددت دبس البندورة على نصف الرغيف و فوقه بضع نقاط من الزيت،و قليل من

مسحوق النعنع اليابس،وكما تقول أمي(كل شيء مع الجوع طيب)والأن بعد أن

أسكت معدتي الجائعة،اشتهيت على كأس من الشاي لأخفف من طعم دبس البندورة

فقد بدأتُ أشعر بحرقة في معدتي بعد أن التهمت الخبز بشراهة من شدة جوعي

وأعتقد إن كأس من الشاي سوف يُعدل مزاجي.

تركت الماء تغلي في الأبريق جيداً،ثم وضعت الشاي الأسود على الماء،ففاحت رائحة

الشاي العطرة في الغرفة،فتحت علبة السكر فتسمرت عيناي في قاعها الفارغ

وأدركتُ حينها إني سوف أنام من دون أن أشرب الشاي.

مع أن الحرقة اشتدت في معدتي،إلا أن التعب من العمل كان أشد على جسدي المنهك

فرحت أغط في نوم عميق.

كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل عندما أيقظتني من نومي دقات على

الباب،ولكن من شدة تعبي،اعتقدت إني كنت أحلم،فعدت للنوم،ولكن مرة ثانية

دُقَ الباب ولكن هذه المرة كانت الدقات أقوى مما جعلني أسستيقظ،وأذهب لأفتح

الباب،وقد انتابني شعور بالخوف والقلق،وبدأت الأفكار تدور في رأسي،من هذا

الذي يزعجني في هذه الساعة المتأخرة من الليل.
avatar
nokia

عدد المساهمات : 120
النقاط : 51729
التقييم : 11
تاريخ التسجيل : 2010-04-25

Back to top Go down

بائع الطين Empty Re: بائع الطين

Post by nokia Wed Jul 07, 2010 6:17 am


-2-

ذهبت لكي أفتح الباب،وعيناي بالكاد ترى الطريق إليه،ومن غير أن أسأل

أو أستفسر عن هوية هذا الزائر الذي قضىَ مضجعي وانتهك حرمة نومي

امتدت يدي إلى مقبض الباب وفتحته بهدوء،وأنا أحاول بصعوبة أن

أبقي عيناي مفتوحتان لأرى ذلك الشخص الواقف أمامي،بوجه شاحب،وجسم

ضعيف،ولولا ثيابه الجديدة التي كان يرتديها لحسبته متسول ساقه قدره

التعيس إلى من هو أتعس منه.

تمعنت بوجه الزائر وقلت له:نعم! ماذا تريد?

نظرَ بوجهي بأستغراب وقال:أنا ابن خالتك..أيمن..صديقك،ألم تعرفني

نعم إنه ابن خالتي وصديقي أيمن!كيف لم أعرفه،ولكن معي حق أن لا أعرفه

فقد مرت سنين طويلة منذ رأيته أخر مرة،عندما سافر إلى اوروبا الشرقية

لكي يدرس الطب،ولم يعد بعد أنتهاء الدراسة،بل فضل البقاء هناك لكي يعمل

بالتجارة،ولكن ما الذي غيره إلى هذه الدرجة فقد كان ممتلئ الجسم،ذو وجه

منير وجميل.

أخذته بالأحضان وقلت له:أرجوك لا تؤاخذني فأنا لم أعرفك من شدة النعاس

تفضل بالدخول..البيت بيتك.

أبعدت ثيابي المرمية على الأريكة ليتمكن من الجلوس عليها،ويا ليتني لم

أبعد عنها الثياب،فقد بانت على حقيقتها،بالية،مهترئة وقد خرج القش

المحشو بداخلها إلى الخارج.

جلس أيمن وهو يبتسم،ولكن ابتسامته كانت صفراء،تكشف عن وجه مهموم و خائف

فسألته:ما بالك? لماذا كل هذا الشحوب على وجهك?

نظرَ إليَ بعينين خائفتين وقد اغرورقت بالدموع،وقال:أنا أسف جداً على إزعاجك

في هذا الوقت المتأخر من الليل،فقاطعته قائلاً:لا عليك يا رجل،ما هذا الكلام

الذي تقوله! تستطيع أن تأتي في أي وقت تشاء،وتابع حديثه بصوت متقطع

يخالطه البكاء..صدقاً أنا أسف ولكن لم يكن أمامي سوى بابك أدق عليه

فقد كنت في القرية،وأخذت عنوانك من أمك وهي تسلم عليك كثيراً،وقد أرسلتني

لكي أختبئ عندك حتى يحين موعد سفري إلى اوروبا.

قاطعت كلامه مستغرباً! تختبئ عندي! ولماذا تختبئ?

تابع حديثه ببطئ وهو يمسح الدموع من عينيه..لقد جئت من اوروبا منذ اسبوع

في إجازة لكي أزور أهلي،ولكني لم أهنئ بهذه الإجازة،فقد قتل ابن عمي جاره

عن طريق الخطأ،وسلم نفسه للشرطة،ولكن أهل القتيل يريدون قتل أي شخص

يرونه أمامهم،والبارحة كنت مختبئ عند أمك في القرية،ولكنها خافت أن يراني

أحداً عندكم،فيخبرهم عني،فنصحتني أن أختبئ عندك في المدينة حتى يحين موعد سفري

ولم أستطيع مغادرة القرية إلا بعد منتصف الليل كي لا أصادف أحداً من أهل

القتيل،ومرة ثانية أكرر أسفي وأعدك بأنني لن أزعجك أكثر من ثلاثة أيام.

هونت عليه قائلاً:ما هذا الكلام يا رجل! إذا لا يتسع لك المكان أضعك على

رأسي،صدر البيت لك والعتبة لي،وطلبت منه أن يبدل ثيابه،وأعطيته ثياب

للنوم من عندي،وبصعوبة بالغة أقنعته بالنوم على السرير و نمت أنا على

الأريكة الممزقة التي كانت تتحرك تحتي كموج البحر.

عندما استيقظت،لم تكن الشمس في مكانها الذي عهدته كل صباح،فقد قطعت مسافات

بعيدة عن نافذتي،والساعة قد قاربت من العاشرة صباحاً،وطبعاً لن أترك ضيفي

لوحده وأذهب للعمل وعلى كل حال تأخرت كثيراً وسوف يطردني صاحب المعمل.

خرجت لشراء الفطور،وعدت بسرعة قبل أن يستيقظ أيمن،وكان الفطور سهل

التحضير،بيض مقلي وحمص ناعم،ولم أنسى أن أشتري السكر لكي أشرب

الشاي مع الضيف.

أيقظت أيمن بلطف،ودعوته لتناول الفطور فقد كان جائعاً مثلي.

جلسنا نشرب الشاي بعد الفطور ونحن نتحدث ونسترجع الماضي،وأيام الطفولة

والمدرسة،وتلال القرية،والسباحة في مياه السواقي،والسباق في بيادر

القمح،وحصاني الخشبي الذي انكسر،كانت أيام جميلة لم نشعر وقتها بهموم الحياة.

كان أيمن يجول بنظره في أرجاء الغرفة التي توحي بالفقر والحاجة،ونظرَ إليَ

وقال:لماذا لا تأتي معي إلى اوروبا وتعمل معي بالتجارة?.

ضحكت بصوت عالي وقلت له:ليس معي نقود لأشتري طعام،فكيف أسافر إلى اوروبا

وأعمل بالتجارة.

فقال لي:لا عليك أنا سوف أدفع لك كل التكاليف،وعندما تعمل وتربح

تعيد لي النقود،ويجب أن تفكر بسرعة،قبل أن يحين موعد سفري،فإذا وافقت

فسوف تسافر معي بعد ثلاثة أيام.

لم أفكر كثيراً،فما أعانيه في عملي،وحياتي يجعلني أوافق بسرعة على عرضه.

وفعلاً لم أضيع الوقت،ذهبت معه إلى السفارة وحصلت على تصريح السفر،وأشترى

لي بطاقة سفر بالطائرة.

ذهبت لكي اودع صاحب المعمل وآخذ باقي أجري منه،ولكن كما توقعت،فقد

طردني ولم يعطيني شيء،وقال لي:اذهب درب الذي يأخذك لا يرجعك،تركته وذهبت

إلى القرية لأودع أمي و أبي،ويا ليتني ما ذهبت
.
avatar
nokia

عدد المساهمات : 120
النقاط : 51729
التقييم : 11
تاريخ التسجيل : 2010-04-25

Back to top Go down

بائع الطين Empty Re: بائع الطين

Post by nokia Wed Jul 07, 2010 6:17 am


-3-

وصلت إلى القرية بعد الظهر،وكان السكون يخيم على أرجاء القرية،إلا من بعض

الباعة المتجولين الذين يأتون من المدينة ليبيعوا بضائعهم في القرى التي

يصعب على سكانها الوصول إلى المدينة،وقبل أن أذهب إلى بيتنا،مررت إلى بيت

خالتي لأطمئنهم على أيمن،ولكني لم أجد أحداً في البيت.

وصلت إلى بيتنا،وكان باب(التوتة)الكبير مفتوحاً كالعادة..وكانوا يسمونه

بباب التوتة لأنه مصنوع من صفائح التوتياء،وكان كبيراً بحيث يدخل منه البغل

وهو يجر العربة،عندما يعود من الحقل،دخلت إلى ساحة البيت التي تتوسطها

شجرة التوت الهرمة مسدلةً ما بقي منها من أغصان إلى الأرض،شعرت للحظة

وكأنها تناديني لأتسلق أغصانها كما كنت أفعل وأنا طفل صغير،لأركب على الأرجوحة

التي ربطتها أمي على جذعها القوي،لأتفحص أعشاش عصافير الدوري،وأساعد هرتي

الصغيرة على النزول عندما تعلق في أغصانها العالية،وبالقرب منها كان البئر

العميق بحبله الطويل ودلوه الحديدي يناديني لأشرب من ماءه العذب،وبالطرف

الأخر من الساحة كانت أغصان الكرم اليابسة تحترق في الموقد تحت قدر من محشي

الباذنجان،ورائحة الطعام تفوح بالمكان.

كانت أمي تقف بجانب الموقد لتضع الحطب على النار لتبقى مشتعلة،وعندما رأتني

أرتسمت على وجهها الجميل المنقط بشحار الموقد،إبتسامتها الحنونة التي دائماً

كانت تقابلني بها،وسارعت إلى أحضانها وكأني طفل صغير عاد إلى أمه بعد أول يوم

له في المدرسة.

جلست مع أمي وأبي نتناول الطعام،وأنا أكلمهم عن المدينة،وماذا حصل معي

وكيف جائني أيمن في الليل،ولكني لم أفتح موضوع السفر مباشرة،إنتطرت حتى جاءت

أمي بالشاي المغلي على نار الموقد.

كنت كلما حاولت أن أفتح موضوع السفر تصيبني غصة في حلقي،تمنعني من النطق

لأني أعرف أمي جيداً،وأعرف بأنها لن تتقبل هذا الموضوع،فهي وبصعوبة بالغة

وافقت على سفري إلى المدينة،فكيف توافق بأن أسافر إلى مكان بعيد

مثل اوروبا،فحاولت أن أدخل بالموضوع بشكل تدريجي،أخبرتها بأن أيمن عرض عليَ

السفر معه،وأنا بحاجة أن أجمع المال لأشتري بيت بالمدينة،ولكن ما أن بدأت

بالكلام حتى بدأت تذرف الدموع التي كانت تحرق قلبي،ورددت نفس العبارات التي

كانت تنصحني بها في الماضي،أن أبقى في القرية،وأعمل مع أبي في زراعة الأرض.

كان أبي يجلس في زاويته المعهودة في طرف الغرفة،وهو يحرك مفتاح المذياع بحثاً

عن محطات،ولم يكن ينبس بكلمة،ولكني كنت أعلم إنه كان يتابعنا بكل كلمة

نقولها،نظرَ إليَ بعينين واثقتين وقال:اذهب يا بني وسافر اينما تريد

لا تبقى كما بقيت أنا ولم أفعل شيء بحياتي سوى زراعة الأرض.

وكانت أمي تشد وأبي يرخي وطال النقاش حتى قاربت الساعة من السادسة مساءً

وكان موعد الطائرة في الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل،وأخيراً وبمساعدة

أبي الذي وقف بجانبي اقتنعت أمي،بشرط أن أعود بعد ثلاثة شهور.

جهزت لي أمي بعض الاشياء كي آخذها معي،وأكثرها كان من الطعام الذي لا يفسد

مثل:الشنكليش،والمكدوس،والزعتر،وخبز التنور الذي تصنعه في تنور

البيت،فيخرج محمراً برائحة الخبز الحقيقي الذي يسيل اللعاب لرؤياه.

أخرج أبي بعض النقود التي كان يدخرها إلى يوم أسود،وطلب مني أن أضعها

في جيبي،ولكني رفضت بشدة،وأصرَ أن آخذها منه،وبصعوبة بالغة أقنعته أني

لست بحاجة،وأن أيمن سوف يدفع كل المصاريف،مع أن جيبي لم يعرف شكل المال منذ

وقت طويل.

خرجنا إلى ساحة المنزل،وقد حثثت أمي على الأسراع لكي ألحق بالحافلة الأخيرة

التي تغادر القرية إلى المدينة،وحانت لحظة الوداع التي أكرهها جداً،وهي

بالنسبة لي أصعب من السفر بكثير،دموع،فراق،ألم،حرقة في القلب.

عانقت أمي لأودعها،وقد أخفت دموعها للحظات ريثما أغادر المنزل مع أبي الذي

سوف يودعني عندما أركب الحافلة،وعندما اقتربت من باب التوتة،بدأ أزيز

الرصاص في الخارج،وكأن معركة قد أشتعلت،فحاولت الخروج لأرى ماذا يحدث،ولكن

أمي منعتني،وأدخلتني إلى الغرفة مع أبي.

لم يدم إطلاق الرصاص طويلاً،فسرعان ما سمع صوت سيارات الشرطة قادمة من بعيد

مما شجع أمي أن تدعنا نخرج،ونتجه إلى ساحة القرية لنرى ماذا حدث.

علمنا من أحد الجيران أن أهل القتيل قاموا بإطلاق الرصاص على أقرباء

أيمن،وعندما سمعوا صوت سيارات الشرطة لاذوا بالفرار.

عدنا إلى البيت،ومرة ثانية،ودعت أمي واتجهنا إلى الحافلة مسرعين،ولكن هذه

المرة كانت الحافلة قد غادرت،وتركتني أبحث عن البديل.

لم يكن أمامي سوى عربة أبي التي يجرها البغل لكي توصلني إلى الطريق الذي

تمر منه السيارات المتجهة إلى المدينة،وكان يبعد عن القرية بضع كيلومترات.

أخرج أبي البغل من الأسطبل،وثبته أمام العربة،ثم انطلقنا عبر الأراضي

الزراعية مختصرين الطريق.

كانت الساعة قد قاربت على التاسعة مساءً،والظلام قد أسدل

بستاره على الأجواء.

للحظات نسيت نفسي،وشعرت بحقول القرية تودعني بموكب موسيقي مهيب،كانت أنفاس

البغل العجوز تصل إلى مسامعي وهو يجر العربة متثاقلاً،وكأنه يعزف

بالبوق،والجنادب تقفز أمام أقدامه وكأنها أطفال تتراكض أمام الموكب بأنتظار

أن يرمى إليها بالحلوى،ونقيق الضفادع في السواقي بمحاذاة الطريق يملأ الجو

صخباً،وكأن فرقة موسيقية تعزف على جانبي الطريق،وأبي كان المايسترو الذي

يقود الموكب الموسيقي،فكان يُحرك الحبل الذي يوجه به البغل بين الحين والأخر،وكأنه

يعطي الأشارات للموسيقيين،والنجوم كانت تشع بالسماء الصافية،لتكمل روعة

المشهد الجميل.

وصلنا إلى الطريق الرئيسي،وكنت محظوطاً فقد توقفت لي سيارة عابرة وأقلتني

معها إلى المدينة.

كانت علامات القلق واضحة على وجه أيمن،وكان على لسانه أسئلة كثيرة،يريد أن

يعرف لها جواباً،ولكني طلبت منه أن يُسرع لكي نلحق بالطائرة،وسوف

أخبره بكل شيء على الطريق.

كانت المرة الأولى التي أرى فيها مطاراً،وطبعاً أول مرة أركبُ فيها بالطائرة،مما

جعلني أقلق بعض الشيء.

كانت الطائرة مكتظة بالركاب،وهذا ما هدئ من روعي وخوفي،وكان من بين الركاب

نساء وأطفال يضحكون ويمرحون،وكان أيمن يجلس بجانبي،وقد أرخى برأسه على

جانب المقعد،ولم أدري أذا كان نائم أو يخفي وجهه المهموم عني.

انقضت ثلاث ساعات قبل أن تهبط الطائرة في المطار،نزلنا من الطائرة،واتجهنا

إلى مبنى المطار،ومن ثم إلى شرطة الجوازات لوضع تأشيرة الدخول.

كنت أمشي وراء أيمن،وكأني طفل صغير يلحق بأبيه،وصلنا إلى غرف صغيرة من

الزجاج يجلس بداخل كل واحدة شرطي،وكان للغرفة نافذة تسمح بأدخال الجواز

فقط،أعطى أيمن جوازه للشرطي،فوضع عليه الختم وأعاده إليه،ثم غادر أيمن إلى

الجانب الثاني من المبنى،ولم أعد أراه.

جاء دوري،فأعطيت الجواز للشرطي الذي فتحه،وهو يتمعن تارة بالصورة التي

على الجواز وتارة أخرى بوجهي،مما جعلني أشعر بالإرتباك،ثم خرج من الغرفة

الزجاجية،وأشار لي بيده أن ألحق به،إلتفت يميناً ويساراً لعل أحد يشرح لي

ماذا يريد مني الشرطي،ولكني لم أجد جواباً أو تعليقاً من أحد،كان يجب أن أعطي

جوازي قبل أيمن،كيف فاته هذا الموضوع،لحقت بالشرطي إلى غرفة جانبية كانت

مبنية من الأسمنت،وفيها كرسي ومنضدة صغيرة.

نظرَ إليَ الشرطي،وأشار لي بأن أخلع ثيابي،فشعرت بشيء من الخوف والقلق،فحاولت

إفهامه،بأني لا أفهم ماذا يريد،ولكنه مرة ثانية أشار بأن أخلع ثيابي،وبدأ

يصرخ ويدمدم بكلمات لم أفهم منها شيئاً،ثم خرج من الغرفة بعد أن أشار لي

بيده أن أبقى مكاني،وأنه سوف يعود بسرعة.
avatar
nokia

عدد المساهمات : 120
النقاط : 51729
التقييم : 11
تاريخ التسجيل : 2010-04-25

Back to top Go down

بائع الطين Empty Re: بائع الطين

Post by Sponsored content


Sponsored content


Back to top Go down

Back to top


 
Permissions in this forum:
You cannot reply to topics in this forum