يوم عرسي (قصة قصيرة)
علومي :: القسم الأدبي :: اشعار ونثريات
Page 1 of 1
يوم عرسي (قصة قصيرة)
يوم عرسي (قصة قصيرة)
احتضنَتْ أمَّها بشدَّة، وكلُّها أملٌ أن تلقاها هناك، أخفَتْ عبَرَاتِها، ربطت جأْشَها ثم ابتسمت وقالت: ألستِ يا أمِّي من ربَّيتِني على هذا؟! أولستِ من تمنَّيت أن تزفَّ ابنتك البكر بكرًا؟!
فلم الحزن؟..وازْداد انْهِمار الدموع على وجنتي الأمِّ الغالية.
- أهكذا تفارقين ابنتك؟
أمِّي - وهي تَمسح الدَّمع من على مقلتَي قرَّة عينها - اليوم العرس يا أمي، فلتفرحي.
- يا ابنتي، ما هي إلا دموع الفِراق ليس إلا، أحبيبتي، سأشتاق لك.
- إنَّني على يقينٍ أنَّنا سنلتقي، ولو بعد حين.
مضت بخطوات الواثقة بثوبِها الفضفاض إلى هناك، وعمَّت الزَّغاريد المكان، خرجت وكأنَّها أجْمل عروس عرفتْها القرية، ومضت.
دوَّى البارود، فرحًا وحزنًا، فخرًا واعتزازًا بغالية، قبَّلت والِدَها
على جبهته، احتضنَها وقال لها: رفعتِ رأسي عاليًا حتَّى كاد يُناطح
السَّحاب يا حبيبتي، اذهبي فأنا راضٍ عنك.
ابتسمت ابتِسامة مشرقة ومضت، لكن إلى أين؟
إلى السَّاحة العامة، أين؟ الجميع بانتظارِها هناك، أهل القرية كلُّهم أجمعون ماعدا أمَّها، فقد آثرتِ البقاء في المنزل بعيدًا بعيدًا.
تقدَّمتْ "غالية"
الموكِب وخلْفَها فتيات القرْية ونساؤها، وعلى حافتي الطَّريق أبناء
العمومة والأقارب، ولعلَّها أوَّل مرَّة يكون العرْس بكل هذا الحشْد من
الناس... ومضت.
ففي كلِّ خطوة تتذكَّر مراحل حياتِها، فهُنا وُلِدَت، وهناك لعبت، وفي المسجد العتيق تعلَّمت علومًا كثيرة، كان في أولها علم الكتاب.
وفي تلك المزرعة، كانت تلك الحادِثة التي قرَّبت يوم زفافها، فقد أحضرتْ
بعض الخبز والتَّمر لخالِها الذي كان منهكًا بزراعة شُجيرات الزيتون
بالقُرب من الطَّريق الرئيس، الَّذي يصل القرية بعاصمة الولاية، وجلست
بقُرْبِه ريْثَما يُنْهِي عملَه، ويعودَا معًا إلى المنزل، حتَّى قدمت
كتيبةٌ من جنود الاحتِلال إلى ذات المكان، وقفتْ وراءَ خالِها، ودعتِ الله
مخلِصةً بأن يَمرَّ هذا اليوم بسلام وأمان.
تقدَّم رئيس الكتيبة كعادتِه؛ للاستجواب، أو للاعتِقال، أو لإرسال عبارات
تَهديد إلى المجاهدين، أحسَّ الخال بِخطورة الموقِف، فلم يأبَهْ لحالِه؛
بل لحالِ مَن وراءَه، فسجلُّه حافل بالذِّكْريات المؤلمة والحزينة، فكم من
مرَّة اعتُقل! وكم من مرَّة سُجِن! ولا تزال آثار الضَّرب والحرْق يشهد
لها كل جسدِه.
أحس بارتجاف الفتاة "غالية".
تقدَّم الضابط، وطلب منه أن يقدِّم له الفتاة، فأبى، هدَّده، لم يُعِرْه
اهتمامًا، أمر جنودَه باعتقاله، قاوم، وقاوم، وقاوم، ثُمَّ كبَّلوه
بسلاسلِهم.
دنا منها الضَّابط "جون"، وأخذ يبتسم ابتسامةً تنمُّ عن خبثِه، ويكتنفها إشعاع يعكس فرح ذئب في جلد إنسان، فهو من ألِف تلكم الأخلاق.
خافت "غالية" وأيْقنت
أنَّه لا مفرَّ من هذا المتغطْرِس إلا المقاومة، فاليوم لا صياح ولا عويل،
التفتتْ يَمينًا فلمحت فأسَ خالِها، أمسكتها بقوَّة، وفي لمح البصر ضربته
على رأْسِه، فأردتْه قتيلاً.
ذهل الجنود لمصرع قائدِهم، فقد مضتِ الأحْداث سريعًا، فلم يتعوَّدوا بأن تُقْدِم نساءُ هذه القرية على هذا الفعل.
اعتقلوها، بعدها تلقَّت ضربًا مبرحًا، أقدموا على قتلها، تريَّثوا وقرَّروا عرْضَها على المحاكمة.
مضت ثلاثة أيام وهي في زنزانتِها وحيدة.
ذرفت الدموع، وأحسَّت بقرب أجلِها... ابتهلتْ، وصلَّت، ودعت.
حكمت المحكمة حضوريًّا على الإرهابيَّة "غالية" بالإعدام شنقًا، وعلى الملأِ؛ لكَيْ تكون لمن خلفها آية، ومضى الحكم.
رفعت رأسَها وابتسمت وهي تقول: اقضِ يا موتُ ما أنتَ فيَّ قاض، أنا راضيةٌ إذا متُّ شهيدة، أنا راضية إذا زُفِفْت اليوم عروسة.
قد تحقَّقت أغلى أمنياتِها، ودعوات أمِّها فتحت لها أبواب السماء، وقيل
لها: هلاَّ تقدمتِ بطلبٍ وحيدٍ أوحد من القاضي، أن تودِّع أمَّها في بيتها.
وصلت إلى الساحة العامَّة، المشنقة بانتظار رقبتِها، والجلاد ماضٍ في
عمله، والحاكم المدني يرقب الحدث من بعيد، والمستوطنون في أمرٍ مريب،
تقدَّمت وهي تبتسم مودِّعةً أهل القرية، وراسمة لهم طريق العزِّ والشَّرف
.
احتضنَتْ أمَّها بشدَّة، وكلُّها أملٌ أن تلقاها هناك، أخفَتْ عبَرَاتِها، ربطت جأْشَها ثم ابتسمت وقالت: ألستِ يا أمِّي من ربَّيتِني على هذا؟! أولستِ من تمنَّيت أن تزفَّ ابنتك البكر بكرًا؟!
فلم الحزن؟..وازْداد انْهِمار الدموع على وجنتي الأمِّ الغالية.
- أهكذا تفارقين ابنتك؟
أمِّي - وهي تَمسح الدَّمع من على مقلتَي قرَّة عينها - اليوم العرس يا أمي، فلتفرحي.
- يا ابنتي، ما هي إلا دموع الفِراق ليس إلا، أحبيبتي، سأشتاق لك.
- إنَّني على يقينٍ أنَّنا سنلتقي، ولو بعد حين.
مضت بخطوات الواثقة بثوبِها الفضفاض إلى هناك، وعمَّت الزَّغاريد المكان، خرجت وكأنَّها أجْمل عروس عرفتْها القرية، ومضت.
دوَّى البارود، فرحًا وحزنًا، فخرًا واعتزازًا بغالية، قبَّلت والِدَها
على جبهته، احتضنَها وقال لها: رفعتِ رأسي عاليًا حتَّى كاد يُناطح
السَّحاب يا حبيبتي، اذهبي فأنا راضٍ عنك.
ابتسمت ابتِسامة مشرقة ومضت، لكن إلى أين؟
إلى السَّاحة العامة، أين؟ الجميع بانتظارِها هناك، أهل القرية كلُّهم أجمعون ماعدا أمَّها، فقد آثرتِ البقاء في المنزل بعيدًا بعيدًا.
تقدَّمتْ "غالية"
الموكِب وخلْفَها فتيات القرْية ونساؤها، وعلى حافتي الطَّريق أبناء
العمومة والأقارب، ولعلَّها أوَّل مرَّة يكون العرْس بكل هذا الحشْد من
الناس... ومضت.
ففي كلِّ خطوة تتذكَّر مراحل حياتِها، فهُنا وُلِدَت، وهناك لعبت، وفي المسجد العتيق تعلَّمت علومًا كثيرة، كان في أولها علم الكتاب.
وفي تلك المزرعة، كانت تلك الحادِثة التي قرَّبت يوم زفافها، فقد أحضرتْ
بعض الخبز والتَّمر لخالِها الذي كان منهكًا بزراعة شُجيرات الزيتون
بالقُرب من الطَّريق الرئيس، الَّذي يصل القرية بعاصمة الولاية، وجلست
بقُرْبِه ريْثَما يُنْهِي عملَه، ويعودَا معًا إلى المنزل، حتَّى قدمت
كتيبةٌ من جنود الاحتِلال إلى ذات المكان، وقفتْ وراءَ خالِها، ودعتِ الله
مخلِصةً بأن يَمرَّ هذا اليوم بسلام وأمان.
تقدَّم رئيس الكتيبة كعادتِه؛ للاستجواب، أو للاعتِقال، أو لإرسال عبارات
تَهديد إلى المجاهدين، أحسَّ الخال بِخطورة الموقِف، فلم يأبَهْ لحالِه؛
بل لحالِ مَن وراءَه، فسجلُّه حافل بالذِّكْريات المؤلمة والحزينة، فكم من
مرَّة اعتُقل! وكم من مرَّة سُجِن! ولا تزال آثار الضَّرب والحرْق يشهد
لها كل جسدِه.
أحس بارتجاف الفتاة "غالية".
تقدَّم الضابط، وطلب منه أن يقدِّم له الفتاة، فأبى، هدَّده، لم يُعِرْه
اهتمامًا، أمر جنودَه باعتقاله، قاوم، وقاوم، وقاوم، ثُمَّ كبَّلوه
بسلاسلِهم.
دنا منها الضَّابط "جون"، وأخذ يبتسم ابتسامةً تنمُّ عن خبثِه، ويكتنفها إشعاع يعكس فرح ذئب في جلد إنسان، فهو من ألِف تلكم الأخلاق.
خافت "غالية" وأيْقنت
أنَّه لا مفرَّ من هذا المتغطْرِس إلا المقاومة، فاليوم لا صياح ولا عويل،
التفتتْ يَمينًا فلمحت فأسَ خالِها، أمسكتها بقوَّة، وفي لمح البصر ضربته
على رأْسِه، فأردتْه قتيلاً.
ذهل الجنود لمصرع قائدِهم، فقد مضتِ الأحْداث سريعًا، فلم يتعوَّدوا بأن تُقْدِم نساءُ هذه القرية على هذا الفعل.
اعتقلوها، بعدها تلقَّت ضربًا مبرحًا، أقدموا على قتلها، تريَّثوا وقرَّروا عرْضَها على المحاكمة.
مضت ثلاثة أيام وهي في زنزانتِها وحيدة.
ذرفت الدموع، وأحسَّت بقرب أجلِها... ابتهلتْ، وصلَّت، ودعت.
حكمت المحكمة حضوريًّا على الإرهابيَّة "غالية" بالإعدام شنقًا، وعلى الملأِ؛ لكَيْ تكون لمن خلفها آية، ومضى الحكم.
رفعت رأسَها وابتسمت وهي تقول: اقضِ يا موتُ ما أنتَ فيَّ قاض، أنا راضيةٌ إذا متُّ شهيدة، أنا راضية إذا زُفِفْت اليوم عروسة.
قد تحقَّقت أغلى أمنياتِها، ودعوات أمِّها فتحت لها أبواب السماء، وقيل
لها: هلاَّ تقدمتِ بطلبٍ وحيدٍ أوحد من القاضي، أن تودِّع أمَّها في بيتها.
وصلت إلى الساحة العامَّة، المشنقة بانتظار رقبتِها، والجلاد ماضٍ في
عمله، والحاكم المدني يرقب الحدث من بعيد، والمستوطنون في أمرٍ مريب،
تقدَّمت وهي تبتسم مودِّعةً أهل القرية، وراسمة لهم طريق العزِّ والشَّرف
.
سلافة- عدد المساهمات : 71
النقاط : 52869
التقييم : 5
تاريخ التسجيل : 2010-07-08
Similar topics
» مجموعة قصص قصيرة
» ضيف على الرصيف، ولا من مُضيف! (قصة قصيرة)
» الرجل ذو الندبة - قصة قصيرة مترجمة
» قصة مترجمة ... قصيرة و رائعه " الدفاع الأخير "
» Short Romantic Love Stories قصص حب قصيرة انجليزية
» ضيف على الرصيف، ولا من مُضيف! (قصة قصيرة)
» الرجل ذو الندبة - قصة قصيرة مترجمة
» قصة مترجمة ... قصيرة و رائعه " الدفاع الأخير "
» Short Romantic Love Stories قصص حب قصيرة انجليزية
علومي :: القسم الأدبي :: اشعار ونثريات
Page 1 of 1
Permissions in this forum:
You cannot reply to topics in this forum